فلسفة التصميم والتوجه

منذ أن التحقت بدراسة العمارة في السبعينيات من القرن الماضي، انشغلت ولازلت بمحاولة إيجاد صياغة للعمارة في العالم العربي تعبر عن الهوية والثقافة العربية الإسلامية بخصوصياتها التاريخية والمحلية المتنوعة، وبمفهومها المتحرك والمتغير ومتعدد الطبقات. إن مفهوم الهوية المتحركة و"المهجنة" الذي أحاول تفسيره والتعبير عنه  من خلال العمل المعماري، يعكس الواقع المعاش وتأثير العوامل الخارجية التي تشكل أدوات العولمة، بهيمنتها على الثقافات المحلية من جهة، وإمكانياتها في إثراء هذه الثقافات من جهة أخرى.

إن انعكاس هذه الهوية من خلال العمارة، ليس مجرد رصد لواقع يغلب عليه التخبط، وإنما هو محاولة لفهم هذا الواقع بتفاصيله الدقيقة، ونقده، واستخلاص ما يحويه من قيم إنسانية وثقافية وبيئية، وإبرازها، والبحث عن وسائل التعبير عنها بأسلوب يتوخى شمولية الطرح، بما يعزز احترام البيئة العمرانية والطبيعية والثقافية والإنسانية، ويساهم في استدامتها. إن إيصال المعماريين هذه المعاني إلى المتلقي أو المستخدم من خلال لغة مشتركة مفهومة يزيد من الانتماء، ويخفف من وطأة الاغتراب في البيئة المعاشة، ويحفز المشاركة في الإبداع، بل ويتعدى ذلك إلى تهذيب الطبائع الاجتماعية، والارتقاء بأسلوب التعامل مع البيئة الطبيعية والمبنية.

من أجل تحقيق هذه الرؤية المعمارية فإنني أسعى إلى فهم خصائص البيئة المبنية في أماكن مختلفة من الوطن العربي، لاستخلاص القيم الثابتة والراسخة التي تشكل القاسم المشترك بين هذه الأماكن، ولفهم طبيعة التغييرات الثقافية التي تطرأ على كل منها، ومدى تأثيرها على التحولات المعمارية والعمرانية في الحقب المختلفة. ومن جهة أخرى فإنني أبحث في كيفية تعامل العالم الغربي مع التحولات المختلفة في بيئاته في أوروبا وأمريكا، وانعكاس ذلك على عمرانه، وعلاقة ذلك بثقافاته المختلفة. هذه الدراسة وهذا التحليل يمكنني من فهم علاقة الشكل بالمحتوى، ومحاولة فهم معانيه، وعمل المقارنات الواعية مع البيئات العربية، والتبصر والتريث في استقدام المفاهيم الغربية، واستخدامها في البيئة العربية، واستخلاص ما هو ملائم منها، واستبعاد ما هو غير متوافق مع الحالة العربية والإسلامية.

إن التمعن في هذه المفاهيم هو من أهم جوانب المنهج الذي أتبعه في عملي، وذلك بدراسة التاريخ العربي الإسلامي، والاطلاع الميداني على الحضارة العربية الإسلامية، من خلال زيارة المدن والقرى والمآثر التي تمثل الناتج المادي لهذه الحضارة. وفي نفس الوقت، فقد اعتمدت الانفتاح على حضارة الغرب من خلال استقاء التعليم الجامعي من منابع هذه الحضارة في بريطانيا (جامعة  مانشستر) وأمريكا (MIT) للاطلاع على هذه الحضارة عن كثب، بل والمساهمة فيها من خلال التصميم والبحث العلمي خلال فترة إقامتي في الغرب (على مدار تسع سنوات موزعة على ثلاثة عقود (1977-1993))، مع مواصلة النظر إلى عالمي العربي الإسلامي عن بعد، بل وتفحصه بعين الناقد من خلال التحليل والدراسة، سواء من خلال مشروع التخرج في مانشستر الذي اخترت له القاهرة موقعا، ورسالة البكالوريوس التي بحثت فيها موضوع البيت العربي ذي الفناء، أو من خلال برنامج الأغا خان للدراسات المعمارية في المجتمعات المسلمة في (MIT)، حيث اخترت لرسالة الماجستير قضية التمثيل الذاتي والهوية من خلال عمارة المسلمين في أمريكا. إنها محاولة لرؤية العالمين العربي والإسلامي من داخلهما ومن خارجهما في آن واحد، وكذلك رؤية العالم الغربي بنفس الأسلوب، لتكون هذه الرؤية ذات صبغة علمية واقعية، غير متعصبة أو معزولة حالمة،  متعددة الطبقات، لا أحادية أو انفرادية، لتفادي النزوع إلى التسطيح أو التبسيط الذي عادة ما ينتج عن الانعزال أو الانفراد، والاستثناء.

إن العمارة التي أسعى إليها هي عمارة تحترم خصوصية المكان والزمان والإنسان، وتفتح الأبواب أمام التفاعل الإنساني المتواصل مع الأمكنة والأزمنة المختلفة. لقد كان لمنهجية العمل طوال اكثر من ربع قرن من الزمان أثر في طبيعة الأعمال التي عملت  وساهمت بها، والأفكار التي طرحتها وكتبت وحاضرت عنها، حيث انعكس ذلك على التعبير المعماري لهذه الأعمال ضمن المؤسستين التعليميتين اللتين درست العمارة فيهما (جامعة مانشستر البريطانية، ومعهد مساتشوستس للتكنولوجيا في أمريكا، فضلا عن الشركات التي عملت بها (مكتب المهندس الكويتي، ودار العمران، الأردن، وشركة كيمونكس الأمريكية)، والجامعات التي عملت بها (جامعة البتراء وجامعة العلوم التطبيقية في الأردن، وجامعة جنوب إنديانا الأمريكية).

 وتشمل المشاريع التي عملت بها عدة محطات ابتداء بمشروع حي الحسين والأزهر في القاهرة الذي حصل على جائزة التصميم الحضري من الجمعية الملكية للمعماريين البريطانيين عام 1984، ومشروع مبرة صباح السالم الصباح في الكويت الذي تم ترشيحه لجائزة الأغا خان عام 1997،  ومجموعة مشاريع سكنية وبيوت خاصة في كل من الكويت والأردن ولبنان، إلى المشاريع الكبيرة في الكويت بما في ذلك مشروع شرق السيف ومشروع القرية التراثية، ومشروع مدينة الفحيحيل الحائز على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية، إلى جانب العمل بمشاريع التخطيط  العمراني في مكة المكرمة، وعمان، والرباط، ودبي، والشارقة، وبيروت، ولاهور، وغيرها. وفضلا عن ذلك، هناك مجموعة الأبحاث والمقالات والمحاضرات التي ركزت فيها على مفهوم الهوية في العمارة العربية المعاصرة، والتطور العمراني في المنطقة العربية وبخاصة في الكويت والأردن ودبي والشارقة، وموضوع الفناء في البيت العربي، ومفاهيم العمارة المستدامة والخضراء، وغيرها من الموضوعات التي تعنى بالتخطيط العمراني والعمارة في البيئة العربية.